كان العام
2016 عامًا فارقًا في تاريخ مملكتنا الحبيبة، فهو العام الذي دشن فيه سمو ولي
العهد رؤيته الملهمة لمستقبل هذا الوطن العظيم، أعني رؤية المملكة 2030، تلك
الرؤية الطموحة التي فجرت طاقاتنا، وجعلتنا كمواطنين ننكشف على آفاق رحبة من
الأحلام والآمال؛ آفاق لم نعاهد لها مثيلاً
من قبل.
رؤية
استراتيجية مفصلة ومتدرجة، تسير بهذا الوطن بأناة وهدوء وبعمل جاد ومنظم ومحسوب،
نحو ذاك المستقبل المشرق الذي نستحقه، تقوم فلسفة هذه الرؤية في شقها الاقتصادي؛
على نقل مملكتنا من ذلك المسار الضيق الذي يتخذ من النفط مصدرًا وحيدًا أو لنقل
رئيسيًا للدخل، إلى ذلك المسار الرحب الذي يوازن بين كل القطاعات سعيا إلى تنويع
مصادر الدخل، وذلك استباقا لعصر ما بعد النفط، فالتفكير الحذق؛ هو ذلك التفكير
الذي لا ينظر تحت الأقدام، وإنما يستبق إلى الأمام خطوة؛ كي يجتث كل مشكلة قبل
ظهورها، ويستثمر في كل فرصة قبل فواتها.
في هذا الإطار
تبرز الصناعة والثروة المعدنية كقطاعين رئيسيين في منظومة هذا المسار الاقتصادي
الواعد، فالصناعة قطاع مهم جعل كثير من الدول فقيرة الإمكانيات دولاً كبيرة لها
وزنها العالمي، فما بالك إذن بدولتنا حين تُصنّع وهي بالفعل عظمى وتمتلك من
الإمكانيات الكثير، بالطبع سنكون في موقع آخر أكثر عظمة وتفردًا.
وإدراكًا من
القيادة السياسية لأهمية الصناعة والطاقة والتعدين والخدمات اللوجستية، فقد أفردت
لهم برنامجاً خاص، وهو "برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات
اللوجستية" الذي دُشن عام 2019، ويهدف إلى "تحويل المملكة إلى قوة
صناعية رائدة، ومنصة لوجستية عالمية عبر تعظيم القيمة المتحققة من القطاعات
الأربعة سابقة الذكر" وذلك بغرض بناء بيئة استثمارية جاذبة، مما سيكون له
أعظم الأثر على الاقتصاد الوطني واطراده نحو التنوع المأمول.
لم يكن جمع
هذه القطاعات الأربعة ضمن برنامج واحد شيئًا عشوائيًا بل كان استشرافًا موفقًا،
أثبتت الأيام صوابه، فمركزية العلاقة بين تلك القطاعات ظهرت جلية خلال الأزمات
العالمية الأخيرة، فما أحوج الصناعة وما تدره من إنتاج إلى ذلك الانتظام الذي
يهيئه النقل والخدمات اللوجستية وسلاسل الإمداد، كي تصل تلك المنتجات في الأخير
إلى المستهلك بشكل سلس وبتنافسية تدر الربح، وما أحوج كذلك الصناعة إلى الطاقة،
وكيف لا وهي أساس كل مكينة دائرة، وما أحوج كل هذا إلى التعدين والمواد الأولية،
والتي لا تقوم الصناعة وسلاسل الإمداد إلا عليها، إننا أمام تكامل مدروس، هيأت له
الرؤية تواجدًا واندماجًا استراتيجيا ضمن برنامج طموح.
ذلك البرنامج
الذي حقق نتائج رائعة رغم قصر سنوات تواجده، فقد ساهمت أنشطة "برنامج تطوير
الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية" المعروف اختصارًا باسم
"ندلب"؛ ساهمت بـ 9 % من اقتصاد المملكة في 2021، أما عن إجمالي
استثمارات البرنامج فقد وصلت إلى نحو 378 مليار ريال منذ انطلاقه، وهي أرقام مبشرة
جدًا.
أما عن الشيء
الذي يحمل مزيدًا من البشرى لنا جميعًا فهو ما حققه مجال الصناعة، فمنذ انطلاق هذا
المجال في المملكة في منتصف السبعينيات وحتى العام 2016، كان مجموع ما تمتلكه
المملكة من مصانع هو 7002، ومن العام 2017 حتى الآن مجموع ما تمتلكه المملكة من
مصانع حتى بلغ 10200، وهي زيادة ملحوظة فقط في خمس سنوات، تؤشر عن مدى الجدية
والتطور الذي تحرزه رؤية 2030 على مستوى الصناعات وانفتاحها على آفاق جديدة من
الفرص والقطاعات.
فبينما كانت
المملكة فيما مضى تركز جهدها التصنيعي على مجال البتروكيماويات والتعدين، اختلف
ذلك الآن، واتسعت خارطة المجالات لتشمل صناعات أخرى مثل صناعة الآلات والمعدات
والمنتجات الغذائية والأدوية، ومؤخرًا دخلنا على خط صناعة السيارات الكهربائية
بالشراكة مع شركة لوسد"، وهي تنويعات وأرقام انعكست بكل تأكيد على معدل
الصادرات السعودية الذي تضاعف، وانعكس أيضا على مساهمة تلك القطاعات في الناتج
المحلي.
على وقع هذا
الجهد الحاضر من قبل "ندلب" وذلك المزيج الرائع من المجالات الذي تعمل
على تعظيمه، تبرز لنا منطقة القصيم كأحد أفضل الأمكنة في المملكة التي يمكنها أن
تستوعب ذلك الزخم التكاملي بين قطاعات الصناعة والطاقة والتعدين والخدمات
اللوجستية، فها هنا في القصيم، تجتمع لهذه القطاعات كثير من المقومات الطبيعية
والجغرافية وكذا البنى التحتية المناسبة، والتي من شأنها أن تجعل من القصيم مركزًا
صناعيًا مهمًا تتجاوزه منجزاته ومنتجاته حدود المحلية نحو العالمية.
هذا ليس معناه
أن القصيم حاليًا غير صناعية؛ بل على العكس، يكفي أن نذكر في هذا المقام بواحة مدن
الصناعية، والتي تعد نموذجًا صناعيًا متفردًا لما يمكن أن تكون عليه المدن
الصناعية في البلاد، ويكفي ما تلبيه هذه المدينة من تطلعات للمرأة وتمكينها في تلك
المجالات، فضلًا عن دعم رائدات الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة.
بالإضافة إلى
المجال الصناعي تزخر القصيم بكثير من الموارد الطبيعية المتنوعة بداية من الحجر
الجيري والجبس والمواد الخام للسيراميك، مرورًا بالأملاح المختلفة وصولاً إلى
المعادن من ذهب وفضة وألمونيوم والكثير غير ذلك، كل تلك الثروات ساهمت ولا تزال
تتسع لأن تكون القصيم في مركز تعديني متقدم، خاصة مع أكثر من 164 رخصة استكشافية
منحتها "ندلب" على مستوى المملكة لكثير من الشركات، فضلًا عن طرحها كذلك
ولأول مرة موقع تعدين به زنك ونحاس.
بالإضافة إلى
ما سبق، تشمل الجهود الحكومية كذلك، إجراء مسح جيولوجي ودراسات شاملة لعديد من
المناطق الهامة في الوطن، والقصيم من بينها بالتأكيد، تلك المسوحات من شأنها إمداد
المستثمرين بصورة كاملة عما هم مقدمين عليه من فرص، وبالتالي تتحقق الشفافية، ويثق
المستثمرون أكثر في المنظومة القائمة، ما يترتب عليه جاذبية استثمارية إضافية.
على المستوى
اللوجيستي يمكننا أن نقول أننا قطعنا شوطًا معتبرًا على طريق الاستثمار في النقل والخدمات اللوجستية، فنحن نمر بمرحلة تحول غير مسبوقة، تلك المرحلة من شأنها تعظيم
الاستفادة من البنى التحتية المتوفرة، وفتح المجال أمام خدمات واستثمارات متنوعة، الأمر
الذي ساهم في تقدم المملكة في التصنيفات العالمية وصقل أكثر موقفها كوجهة جيدة
للاستثمار اللوجيستي على نطاقات أوسع.
كل هذه
المؤشرات والأرقام تثبت مكانة القصيم كمنطقة جاذبة للاستثمارات الصناعية
والتعدينية، ليس هذا فحسب، بل إن الموقع الجغرافي الذي تحتله المنطقة على خارطة
الوطن، يجعل منها الآن ومستقبلًا مركزًا لوجيستيًا مهمًا، يمكن أن تنطلق منه
المنتجات لا نحو بقية مناطق الوطن فحسب، بل إلى جميع الدول الإقليمية، لتكون جزءًا
في الأخير من تلك المنظومة الكبرى للوطن، ومن تلك الرؤية الحصيفة التي نسعى جميعًا
لتحقيقها.
تعليقات
إرسال تعليق